وسار قيس بن الحرثومعه خمسمائة فارس فجعلوا يسيرون على جانب البحر ويشنون الغارات فمن صالحهم صالحوه ومن أسلم تركوه حتى نزل بالبلد المعروف الآن بالقيس وبه سميت أي (قيس بن الحاث) وكان فيها بطريق من بطارقة البطليوس وكان من بني عمه اسمه شكور بن ميخائيل والله أعلم باسمه فدخل أهل السواد كلهم البلد وحاصروها حصارًا شديدًا نحو شهرين ثم أعانهم الله تعالى وحرقوا بابًا من أبوابها ففتحت ودخلوا إليها وكان ذلك بعد وقعة جرت بينهم في مكان يعرف بكوم الأنصار فهزموهم هناك وحاصروهم وفتحوا المدينة وقتلوا البطريق وأخذوا جميع ما فيها بعد أن دعوهم إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك ثم شنوا الغارات على ما حولها من البلدان والبلد المعروف بماطي ثم إلى الكفور فخرج إليهم بطريق كان ابن عم المقتول بدهشور لعنه الله وأخوه بطرس وعقدوا مع المسلمين عقدًا على الصلحوأعطوا الجزية وسارت العرب إلى البلد المعروف بالدير وسملوط وما حولها من القرى ونزل زهير وجماعة من العرب بالمكان الذي يعرف بزهرة وأما بقية السواد الذي حول البهنسا شرقًا وغربًا فلما تحققوا مجيء العرب هربوا إلى البهنسا بأموالهم ونسائهم وذراريهم وتركوا البلاد جميعها خرابًا وكان البطليوس لعنه الله أرسل إليهم بطارقته فحملوهم إلى البهنسا واستعد للحصار وجمع عنده ما يحتاج إليه مدة الحصار. أما عدو الله بولياص صاحب طبندا فإنه كاتب البطليوس يقول: إني ما صالحت العرب إلا مكيدة وإني أريد الغدر بهم فجهز لي جيشًا من البطارقة على أن أظفر بجماعة من أبطال المسلمين ونأخذ بثأر من قتل منكم فاستدعى البطليوس ببطريق من بطارقته يسمى روماس وضم إليه خمسة آلاف فارس من الروم والنصارى وغيرهم من أهل القرى وأمرهم أن يسيروا تحت ظلام الليل فما جاء نصف الليل حتى وصلوا إلى طنبدا ودخلوا إلى بولياص ففرح بذلك فرحًا شديدًا واستعدوا للهجمة على المسلمين. قال وأصبح المسلمون وقد صلوا صلاة الصبح وإذا بالخيل قد أقبلت إليهم فنادوا: النفير هاجمونا وغدرونا فركب المسلمون خيولهم وساروا إلى قريب الدير وإذا بالروم مقبلين في عشرة آلاف فارس وكان أعداء الله قد كمنوا كمينًا قريبًا من قناطر كانت هناك ونهر يجري فيه الماء من النيل في أوانه عميق غربي الدير قريب من البلد. ولما رأوهم تبادروا إلى خيولهم فركبوا وأعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وأقبلوا مسرعين نحوهم ولم يفزعوا من كثرتهم وحرض بعضهم بعضًا على القتال وكانوا قد سبقوا إلى شرذمة من المسلمين كانوا نزولًا قريبًا من الدير ووضعوا فيهم السيف وأحاطوا بهم وجالوا واتسع المجال إلى قريب من دهروط فخرج سليمان بن خالد بن الوليد وعبد الله بن المقداد وعامر بن عقبة بن عامر وشداد بن أوس وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم واشتد القتال وعظم النزال وعميت الأبصار وقدحت حوافر الخيل الشرار ولمعت الأسنة وقرعت الأعنة ودهشت الأنظار وحارت الأفكار وأحاطوا بالمسلمين من كل جانب فلله در سليمان بن خالد بن الوليد وعبد الله بن المقداد لقد قاتلا قتالًا شديدًا وأبليا بلاء حسنًا ولله در زياد بن المغيرة لقد كان يقاتل تارة في الميمنة وتارة في الميسرة وتارة في القلب وأحاط بهم أعداء الله من كل جانب وقد صار المسلمون بينهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وصبروا لهم صبر الكرام وكان أكثر المسلمين قد أثخن بالجراح واشتد الكفار هذا والمسلمون قد انتدبوا أبطالًا وجعلوها خلف ظهورهم وقاتلوهم قتالًا عظيمًا هذا وأعداء الله قد أحاطوا بهم وحجزوا بينهم وبين البلد وقاتل سليمان وأصحابه قتالًا شديدًا ووطنوا أنفسهم على الموت وشجع بعضهم بعضًا وصار سليمان بن خالد يقول: الله الله الجنة تحت ظلال السيوف والموعد عند حوض النبي صلى الله عليه وسلم وقاتل قتالًا شديدًا حتى أثخن بالجراح وقتل من المسلمين نحو مائتين وعشرين قريبًا من التل الذي هو غرب البلد المذكور وما قتل الواحد منهم حتى قتل من أعداء الله خلقًا كثيرًا.